تأليف : د . صالح بن عبد الله الصياح
سلسلة كن داعياً إلى التوحيد ( 3 )
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
اقرأ لكي تعبد الله كأنك تراه
لتعلم أن من الأمور العظيمة المهمة لك معرفة
( صفات وأسماء وأفعال الرب جل جلاله )
كما وردت في الكتاب والسنة ،
وبعد معرفتها عليك تذكرها باستمرار ، حتى تصير لقلبك بمنزلة المرئي ،
فتحقق بذلك مرتبة الإحسان
" فتعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ،
وبهذا تحيى القلوب الميتة ، وتنقشع الغفلة ،
وتنشرح الصدور بنور التوحيد .
والرسل كلهم عرَّفوا بالله سبحانه من خلال التعريف :
" بأسمائه وصفاته وأفعاله " تعريفاً مفصلاً ،
حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه :
وقد استوى على عرشه فوق سماواته ،
عالٍ على خلقه ، قاهراً لكل شيء ،
يدبر أمر مملكته ، آمراً ناهياً ،
باعثاً لرسله ، منزلاً لكتبه ،
فينزل الأمر من عنده بتدبير مملكته ،
فيكلم عبده جبريل ، ويرسل من يشاء بما شاء ،
ملائكته يخافونه من فوقهم ،
وينفذون أوامره في أقطار ملكه ،
تصعد الأمور إليه وتعرض عليه ،
له الأمر وليس لأحد معه من شيء ،
بل الأمر كله له ،
معبود مطاع ، لا شريك له ولا مثيل ولا عدل ،
موصوف بصفات الكمال ، منعوت بنعوت الجلال ،
منزه عن العيوب والنقائص ،
قائماً بالملك والتدبير ،
فلا حركة ولا سكون ،
ولا نفع ولا ضر ، ولا عطاء ولا منع ،
ولا قبض ولا بسط إلا بقدرته وتدبيره ،
فقيام الكون كله به ، وقيامه سبحانه بنفسه ،
فهو القائم بنفسه ، المقيم لكل ما سواه :
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا
وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
( الأنعام : 59 ) ،
يقول صلى الله عليه وسلم :
" مفاتح الغيب خمس :
إن الله عنده علم الساعة ،
وينزل الغيث ، ويعلم ما في الأرحام ،
وما تدري نفس ماذا تكسب غداً ،
وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير "
( البخاري ).
وهو يتكلم سبحانه وتعالى ، ويأمر وينهى ،
ويتأذى ويفرح ، ويسمع ويبصر ،
ويرضى ويغضب ، ويحب ويسخط ،
ويجيب دعوة المضطر من عباده ،
ويغيث ملهوفهم ، ويعين محتاجهم ،
ويجبر كسيرهم ، ويغني فقيرهم ،
ويميت ويحيي ، ويمنع ويعطي ، ويثيب ويعاقب ،
مالك الملك يؤتي الملك من يشاء ،
وينزع الملك ممن يشاء ،
ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ،
بيده الخير ،
وهو على كل شيء قدير
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }
( يس : 82 ).
كل يوم هو في شأن
يغفر ذنباً ، ويفرج كرباً ، ويفك عانياً ،
وينصر مظلوماً ، ويقصم ظالماً ،
ويرحم مسكيناً ، ويغيث ملهوفاً ،
ويسوق الأقدار إلى مواقيتها ، ويجريها على نظامها ،
ويقدم ما يشاء تقديمه ، ويؤخر ما يشاء تأخيره ،
فأزمة الأمور كلها بيده ،
ومدار تدبير الممالك كلها إليه ،
فله الجلال والجمال والكمال
والعزة والسلطان .
يرحم إذا اُسترحم ، ويغفر إذا اُستغفر ،
ويعطي إذا سُئل ، ويجيب إذا دُعي ، ويقيل إذا اُستقيل ،
قال صلى الله عليه وسلم :
" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا
حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول :
أنا الملك ، أنا الملك ،
من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ،
من يستغفرني فأغفر له "
( البخاري ومسلم ) .
هو سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء ،
وأعظم من كل شيء ،
وأعز من كل شيء ،
وأقدر من كل شيء ،
وأعلم من كل شيء ،
وأحكم من كل شيء ،
بصير بحركات العالم علويه وسفليه ، وأشخاصه وذواته ،
سميع لأصواتهم ، رقيب على ضمائرهم وأسرارهم ،
ويرى أفعالهم وحركاتهم ،
ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم ،
{ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ
وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ
وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا
ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
( المجادلة : 7 ).
سميع يسمع ضجيج الأصوات ،
باختلاف اللغات ، على تنوع الحاجات ،
فلا يشغله سمع عن سمع ، ولا تغلطه المسائل ،
ولا يتبرم بإلحاح الملحين ،
سواء عنده من أسر القول ومن جهر به ،
فالسر عنده علانية ، والغيب عنده شهادة ،
يرى ويسمع دبيب النملة السوداء ،
على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ،
ويرى ويسمع نبض عروقها ،
ومجاري الطعام في أعضائها .
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }
يمسك السماوات والأرض أن تزولا ،
ويمسك البحار أن تغيض أو تفيض على العالم ،
ويمسك السماء أن تقع على الأرض ،
ويمسك الطير في الهواء صافات ويقبضن .
يضع سبحانه وتعالى السماوات يوم القيامة على إصبع ،
والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ،
والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ،
ثم يهزهن فيقول :
أنا الملك أنا الملك .
الكبرياء رداءه ، والعظمة إزاره ،
يقول سبحانه وتعالى – في الحديث القدسي - :
( فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار )
( مسلم ).
ملكه عظيم عظيم ،
يقول سبحانه وتعالى :
( يا عبادي :
إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ،
ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ،
يا عبادي :
لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ،
كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ،
ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ،
يا عبادي :
لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ،
كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم
ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ،
يا عبادي :
لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ،
قاموا في صعيد واحد فسألوني
فأعطيت كل واحد مسألته
ما نقص ذلك مما عندي
إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر )
( مسلم ) .
يقول صلى الله عليه وسلم :
" إن الله عز وجل لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ،
يخفض القسط ويرفعه ،
يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ،
وعمل النهار قبل عمل الليل ،
حجابه النور ،
لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه
ما انتهى إليه بصره من خلقه ".
( مسلم ) .
فهو حيٌ لا يموت ، قيوم لا ينام ،
عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ،
ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ،
لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ،
والخلق مقهورون تحت قبضته ،
وهو رب العالمين ،
وأرحم الراحمين ،
وأقدر القادرين ، وأحكم الحاكمين ،
الذي له الخلق والأمر ،
المعروف بالفطرة ، الذي أقرت به العقول ،
ودلت عليه كل الموجودات ،
وشهدت بواحدينته وربوبيته جميع المخلوقات .
كيف تصل إلى ربك سبحانه وتعالى
وتكسب حبه ورضاه ؟
فإذا علمت أنه لا رب غيره ،
ولا يملك الضر والنفع والعطاء والمنع إلا هو ،
فعليك بالسعي في طلب الوصول إليه
بفعل الواجبات والنوافل ،
وترك المحرمات والغفلة ،
فإنك إن فعلت فتح لك أبواب الخير والإيمان والتقوى ،
( يقول تعالى :
ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه ،
ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبهُ ،
فإذا أحببتُهُ كنت سمعه الذي يسمع به ،
وبصرهُ الذي يُبصر به ،
ويده التي يبطشُ بها ،
ورجلَهُ التي يمشي بها ،
ولئن سألني لأعطينَّهُ
ولئن استعاذني لأعيذَنَّهُ )
( البخاري ).
وبتذكرك أسماء الله وصفاته وأفعاله دائماً وبالليل والنهار
ينشأ نور الإيمان في قلبك ،
يريك ذلك النور أنك واقف بين يدي ربك عز وجل ،
فتستحي منه في خلواتك وجلواتك ،
وترزق عند ذلك دوام المراقبة للرقيب ،
ودوام التطلع إلى حضرة العلي العظيم ،
حتى كأنك تراه وتشاهده من فوق سماواته ،
مستوياً على عرشه ، ناظراً إلى خلقه ،
سامعاً لأصواتهم ، مشاهداً لبواطنهم ،
فإذا استولى عليك هذا الشاهد
أزال عنك هموم الدنيا كلها ،
وتعلقت بربك واتخذته وحده وكيلا ،
ودخلت جنته في هذه الدنيا
قبل جنته التي في الآخرة .
فأنت بين يدي ربك ناظراً إليه بقلبك ،
والناس في حجاب الدنيا .
فتأمل وتفكر واقرأ !!
فتأمل وتفكر واقرأ هذا الكلام
لتشاهد ربك في الدنيا بعيني قلبك ،
وسوف تراه يوم القيامة ببصرك ،
فإنه
" إذا دخل أهل الجنة الجنة ،
يقول الله تبارك وتعالى :
تريدون شيئاً أزيدكم ؟
فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟
ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟
فيكشف سبحانه وتعالى الحجاب ،
فما أعطوا شيئاً أحب إليهم
من النظر إلى ربهم عز وجل "
( مسلم )
وأما
{ وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى
فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا } .
{ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ
وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } .
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الثلاثاء 20 يناير 2015, 3:06 pm من طرف Ɠǿȴ Ð Ɍоɠєɽ