مدخـــــل :
سنحاول في هذه الدراسة أن نقوم بتحليل مسائل المصدر الثالث من مصادر التشريع وهو ((الإجمـــــــاع )) ،، وستكون الدراسة –بعون الله- بطريقة منهجية مبتكرة وجديدة في عرض مسائل الموضوع ، تقوم على عرض المسائل داخل التعريف الاصطلاحي لكي تحقق الترابط بين مسائل الباب الواحد مما يسهم في تبسيطها وفهمها ومن ثم التمكن من الحكم عليها بمساعدة فقرات التعريف ، فأسأل الله العون والتوفيق والقبول ....
** المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي : (دليـل الإجماع) :
*التعريف اللغوي :
للإجماع في لغة العرب معنيان :
1- (العزم ) : ومنه حديث : " لا صيام لمن لم يجمع النية من الليل "
2- (الاتفاق) : كقولك : " أجمع الناس على كذا " أي : اتفقوا .
والمعنى المناسب في هذا المبحث : ( هو الاتفاق ).
** التعريف الاصطلاحـي :
تعددت عبارات الأصوليين في تعريفهم للإجماع لكن التعريف الأشمل هو :
(( اتفاق " جميع المجتهدين " من أمة محمد " بعد وفاته " في أي عصر من العصور " على حكم شرعي )).
بداية الدراسة :
** قـوله: (اتفــاق) :**
هذا هو المعنى اللغوي الثاني للإجماع كما تقدم ، وتحته مسائل :
المسألة الأولى : لو لم يبقى في الأمة إلا مجتهد واحد فهل قوله يعتبر إجماعا ؟ على هذه العبارة (اتفاق) لا يعتبر ؛ لأن الاتفاق لا يكون إلا من اثنين فأكثر ؛ لذا رجع بعض الأصوليين -في مثل هذه الحالة- إلى المعنى اللغوي الثاني وهو (العزم ) كي يدخل هذا النوع خصوصاً إذا عرفنا أنه لولاه لتأثرت نظرية العصمة التي أثبتها الشارع للأمة .
المسألة الثانية : حجية الإجماع :
لا خلاف في أن الإجماع يعد مصدرا من مصادر التشريع ، تستسقى منه الأحكام ، ويكشف به الحلال والحرام ، واستمر هذا واستقر في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وإنما طرأ الخلاف بعد مجيء : النظام المعتزلي الذي قال برد الإجماع ، ثم تابعه بعض أهل البدع لكي تسلم لهم بدعهم وذلك لما رأوا أن الإجماع يهدم بدعهم ، وتتكسر عليه سهامها ، فلم يكن لهم إلا أن يقولوا بعدم حجيته ، مخالفين بذلك سبيل المؤمنين ، وما عليه الأمة طيلة تلك القرون الفاضلة ، فهل يعقل أن الأمة تعمل بضلالة كل تلك القرون ولا تتنبه لهذا إلا بعد أن يأتي هذا المعتزلي فيوقظها من تلك الرقدة !! . خصوصا إذا عرفنا أنه لما نوقش وقيل له : كيف تخالف الشرع بهذا الرأي ؟
ارتبك كثيراً واضطرب لما عرف شناعة قوله ، فأراد أن يخرج من هذا المأزق الكبير فقال : الإجماع المردود عندي هو : *( كل قول قامت حجته )* قال هذا هروباً من شناعة مخالفة الشرع ، فوقع في مخالفة اللغة والعقل أيضاً ، فما علاقة لفظ الإجماع بهذا المعنى الذي اخترعه النظام ، بلا علاقة لغوية ولا عقلية ولا شرعية فأصبح قوله باطلاً من كل وجه كما ترى .
وقد نبه الجويني إلى أن أول من باح وصرَّح برَدِّ الإجماع هو النَّظَّام المعتزلي ، ثم تبعه بعض أهل البدع والضلال من الرافضة ، والخوارج –<البرهان : 1/239 >-
ومما ينتبه له في هذا السياق أن لهؤلاء بعض الأهداف الخفية والتي كشفها صاحب فواتح الرحموت -2/262- فقال : "الإجماع حجة قاطعاً ، ويفيد العلم الجازم عند الجميع من أهل القبلة ، ولا يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج والشيعة ؛ لأنهم حادثون بعد الاتفاق يشككون في ضروريات الدين " ، ووجه التشكيك : أن ركائز وأركان وثوابت هذا الدين لم يحفظها من التغيير والتبديل إلا سياج الإجماع فحسب وليس مجرد ورودها بالكتاب والسنة لأن كثيرا من المسائل وردت بهما لكن لعدم الاتفاق عليها بقيت محلاً للخلاف والتباين في الآراء ، فلكي يتم التشكيك بتك الثوابت سعى أهل البدع إلى محاولة كسر هذا السياج المتين لتتفلت تلك الثوابت من عقلها ، ومن ثم يشك الناس بتك الثوابت لهجوم آراء وأهواء الخلافيين عليها .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن السلف كان يشتد إنكارهم على من يخالف الإجماع ويعدونه من أهل الزيغ والضلال ، فلو كان ذلك شائعا عندهم لم ينكروه ، وكانوا ينكرون عليه إنكارا هم قاطعون به ، ولا يسوغون لأحد أن يدع الإنكار عليه ، فدل على أن الإجماع عندهم كان مقطوعا به " –<منهاج السنة : 8/345>-.
دليل حجية الإجماع:
1- الكتاب العزيز:
تنوعت النصوص القرآنية الدالة على الأخذ بالإجماع والاحتجاج به، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } قال ابن عباس : أولوا الأمر هم العلماء ، وفي قوله (فإن تنازعتم ) دلالة على أنه حال إجماعكم فيكتفى به ، أما حال التنازع فيجب الرد للكتاب والسنة.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} ووجه الاستدلال أن فيها النهي عن اتباع غير سبيل المؤمنين ، فما أجمع عليه هو سبيلهم ، فمخالفة الإجماع مخالفة لذلك السبيل فيترتب عليها الوعيد الشديد في الآية .-وهذه الآية هي الأصل بالإجماع من الكتاب ، وأول من احتج بها عليه هو شيخ الأصوليين وإمامهم الشافعي .
2- السنة المطهرة:
تنوعت أدلة السنة كذلك في الدلالة على حجية الإجماع، ومنها:
أ- الأحاديث التي تدل على أن هذه الأمة لا تجتمع على باطل وضلال، كقوله (لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلالَةٍ)، وهذا هو الأصل من السنة على حجية الاجماع ، وقوله (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ)، وقد بلغت حد التواتر المعنوي القطعي .
ب- الأحاديث التي تحذر من الفرقة وترك الجماعة، كقوله (مَنْ أَرَادَ بَحبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الجَمَاعَةَ)، وقوله (عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ).
3- ويدل على حجية الإجماع وقوعه ، فالوقوع دليل الجواز وزيادة ، خلافاً للنَّظَّام ومن معه الذين قالوا أنه لا يمكن انعقاده ، فرُدَّ عليهم بهذا الدليل وهو أن وقوع الإجماع في بعض المسائل دليل على إمكانه ، كما قال الغزالي ، ومما يؤيد إمكان وقوعه هو قلة أهل الاجتهاد وشهرتهم بين الناس وشهرة أقوالهم واهتمام الناس وخصوصاً طلاب العلم بذلك مما يبعد دعوى عدم إمكان ذلك .
ومما أجمعت الأمة عليه : وجوب الصلوات الخمس، وأركان الإسلام ، وتحريم الزنا، والسرقة، والربا ، وغيرها كثير.
المسـألة الثالثـة : أنواع الإجماع .
هذا اللفظ يكشف لنا أنواع الإجماع ، فهي كالتالي:
1- الإجماع الصريح النطقي (القطعي): وهو أن يصرح جميع المجتهدين في حكم الواقعة نطقاً، وهذا النوع قطعي ولا خلاف فيه.
2- الإجماع السكوتي (الظني): وهو أن يصرح بعض المجتهدين بالحكم نطقاً وينتشر ذلك بين بقية المجتهدين فيسكتوا عن الإنكار، ولا يكون سكوتهم عن خوف وإكراه ، و يكون هذا القول قد بلغهم وليست هناك قرينة تدل على الرضا أو ضده ،
ولتحرير محزّ الخلاف هنا نفول :
إذا وجدت قرينة الرضا والإقرار – كأن يشير بإشارة تدل على موفقته – فهنا يكون إجماعا عند الجميع .
إذا وجدت قرينة عدم الرضا وعدم الموافقة ، أو كان ثمة مخيلة إكراه أو خوف : فهنا لا يعتبر إجماعا عند الجميع .
فيتحرر موضع الخلاف بالتحديد ، وهو عند عدم تلك القرائن ، بأن انتشر القول وبلغ جميع المجتهدين ولم ينكروه بل أقروه وسكتوا فهل يلحق بالأول فيقبل كإجماع ، أم يلحق بالنوع الثاني فلا يعتبر إجماعا .
• فاختلفوا على قولين:
القول الأول: أنه حجة، وهو قول الحنفية والحنابلة ، والجمهور .
- ومستندهم : أنه لو قلنا برده للزم منه إنكار أصل الإجماع ، لأن الإجماع القطعي قليل ونادر ، ولأن الأدلة الدالة على الإجماع لم تشترط نطق الجميع بالحكم ، وفي مسألتنا فالغالب أن المجتهد لا يسكت عن بيان رأيه خصوصا هنا ، وإلا قلنا بسكوته على المنكر وهذا يبعد عن المجتهد ومخالف لما عرف من حال المجتهدين ، كما أنه يبعد أن يكون له رأي مخالف لكنه لم يعرف للعناية من المجتهد في بيان حكم الله في المسألة ويؤيد هذا الواقع المشاهد للمجتهدين من تقريرهم آرائهم والعناية في بيانها والمناظرة عليها ، ولأنه يعرف الوعيد الشديد لمن كتم علماً ، ولعناية الطلاب بأقاويل المجتهدين ، كل هذه قرائن تقرر أن سكوته عن إقرار وموافقة فيكون إجماعاً .
القول الثاني: أنه ليس بإجماع ، وهو قول المالكية والشافعية.
قال النووي مستدركاً على هذه النسبة : " لا تغترن بإطلاق المتساهل القائل بأن الإجماع السكوتي ليس بحجة عند الشافعي ، بل الصواب من مذهبه أنه حجة وإجماع وهو موجود في كتب أصحابنا العراقيين في الأصول .. " – البحر المحيط : -
ومستندهم : أنه "لا ينسب إلى ساكت قول " كما قال الشافعي .
** قوله: (جميع المجتهدين) :**
- هذه الفقرة تناولت مبحث مهم في الإجماع وهو ( أهل الإجماع ) فإليك المسائل:
- المسـألة الأولى: : هل إجماع الأكثر حجة و إجماع ؟
قوله : " جميع " لو طبق تماما هنا لرجح رأي الجمهور في هذه المسألة .
اختلفوا في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: ليس بحجة ، وهو قول الجمهور، وعللوا ذلك بأن العصمة إنما هي لجميع الأمة، وقد يكون الصواب أحياناً مع القلة ، فليست العبرة بالكثرة كيف لا ؟ وقد ذم الشرع الكثرة في عدد من النصوص .
القول الثاني: أنه حجة ، وهو قول ابن جرير الطبري، وابن خويز منداد من المالكية، وأُلزِم هؤلاء بقولهم إلزاماً قوياً وهو أن إجماع الأكثر في هذه المسألة على أنه ليس بحجة ، فيلزم أن يأخذوا برأي الكثرة هنا القاضي بعدم اعتبار ذلك إجماعاً .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- المسألة الثانية : هل يدخل العوام في الإجماع ؟
التعريف قصر الاعتبار في المجتهدين فقط ، أما العوام فوقع خلاف في دخولهم هذا الميدان الخطير :
والعوام على نوعين :
1- العامي حقيقة : وهو من كان عامياً بحيث لم يتحصل على أي نوع من أنواع العلوم .
2- العامي حكماً : وهو من كان ذا علم لكن علمه ليس له علاقة بالحكم الشرعي ، كالطب والهندسة والجغرافيا ...
• فالعامي بنوعيه اختلف في كونه من أهل الإجماع على أقوال :
القول الأول : لا يدخلون في الإجماع ، وهو قول الجمهور ، واستدلوا بقوله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ، (فاسألوا أهل الذكر ) ، ولو سألنا العامي لنعرف رأيه في النازلة لكان هذا من تكليف ما لا يطاق ، وكأننا نقول له أن يتكلم بالجهل بل بالكذب قال تعالى : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب .. ) .
القول الثاني : يدخلون في الإجماع، وهو رأي الآمدي ، واستدلوا بقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ}، وبقوله: (لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلالَةٍ) والعوام من المؤمنين، وهم بعض الأمة .
مسألة : الفقيه الذي لا يعرف الأصول والأصولي الذي لا يعرف الفقه ، هل هو من أهل الإجماع ؟
هذه المسألة الخلاف فيها أشد من الخلاف في العامي بنوعيه السابقين ، لكون هذين العلمين لهما علاقة وثيقة بالحكم الشرعي !! لذا قوى المرداوي الحنبلي دخولهما في الإجماع وهو رأي الجمهور ، للتلازم الكبير بينهما ، والجويني يرى أن اعتبار الأصولي فقط هو الحق وكذا الباقلاني ،
وقال المجد بن تيمية : "من أحكم أكثر أدوات الاجتهاد ولم يبق إلا خصلة أو خصلتان اتفق الفقهاء والمتكلمون على أنه لا يعتد بخلافه ، خلافا للباقلاني "
ويخرجها البعض على مسألة تجزؤ الإجتهاد والجمهور على جوازه .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مسألة : المجتهد الفاسق هل يتأهل للإجماع ؟
ينقسم الفسق إلى قسمين : عملي يتعلق بالشهوات ، واعتقادي يتعلق بالشبهات كالبدع والأهواء ، فعلى التعريف لا يخرجان من الاعتبار ، لكن العلماء اختلفوا ههنا ، البعض يرد الجميع والبعض يقبلهما ، والبعض يتساهل مع الاعتقادي دون العملي لأن الثاني قد يحتاط لدينه عن الكذب الذي هو من العملي ، بخلاف الفسق العملي وكم من مبتدع روى له كبار أئمة السنة وهذا لا يخفى .
والقاضي أبو يعلى يردهما ، وتلميذه ابو الخطاب يدخلهما في أهلية الاجماع مستدلا بالآية والحديث –الدالين على الإجماع- حيث لم يفرقا بين عدل وفاسق ، وصحح هذا القول الصفي الهندي ، ونسبه السمعاني إلى الشافعي .
- المسألة الثالثة: هل إجماع أهل المدينة حجة ؟
اختلفوا في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: ليس بحجة، وهو قول الجمهور.
القول الثاني: أنه حجة، وهو قول المالكية، واستدلوا بحديث النبي (المَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ).
قال القرافي: هذا الحديث يدل بمنطوقه على حجية إجماع أهل المدينة، وحديث (لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلالَةٍ) يدل بمفهومه على عدم حجيته والمنطوق يقدم على المفهوم .
لكن أدلة حجية الإجماع أثبتت العصمة لجميع الأمة وكافة المؤمنين فكيف يضيق في أهل المدينة فقط ، ويلغى علماء الأمة وهم أكثر بكثير من علماء المدينة ، فهل نلغي كل أؤلئك ونجعل العصمة لعلماء بلد مخصوص ونلزم بقية المجتهدين بقول بعض المجتهدين ! ونستدل لذلك بحديث في فضائل المدينة ، ولدينا ضابط مهم : " أن الفضيلة لا تدل على الحجية " وهذا الضابط يعالج مسألتنا هذه ، والتي تليها وكثير من المسائل في هذا الباب.
- المسألة الرابعة: هل إجماع الخلفاء الأربعة حجة ؟
هناك رواية للإمام أحمد على أن إجماع الخلفاء حجة، واستدل بقوله (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي).
- المسألة الخامسة: لا يشترط إجماع جميع المجتهدين في القضية الواحدة إلى يوم القيامة، لأنه يلغي الإجماع.
قوله : ( من أمة محمد )
يبين هذا القيد أهل الإجماع وهم أهل الإسلام فقط دون باقي الملل والنحل ، ويكشف العلماء السر باختصاص الأمة المحمدية بالإجماع وذلك لكون أمة النبي هي كل الأمة وجميع المسلمين لأنه بعث إلى الناس عامة ، بخلاف غيره من الأنبياء حيث كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة ، لذا فهم ليسوا كل المؤمنين ولا جميع الأمة فلوا أجمعوا على رأي فليس إجماع جميع المؤمنين .
** قوله: (بعد وفاته ) :**
لا بد أن يكون الإجماع بعد وفاة النبي حتى يكون معتبراً، أما في حياته فالمصدر الوحيد الذي تستقى منه الأحكام هو النبي ، فالحجة إنما هي في قوله وفعله ولا عبرة بقول وفعل بقية المجتهدين، ونقل الآمدي الإجماع على ذلك.
**قوله : (في أي عصر من العصور)**
وقد تنازع العلماء تنازعاً كبيراً في تحديدهم لضابط العصر الذي تثبت به العصمة
هل هو ما يكون بعد مدة البحث والتأمل والنظر في المسألة بحيث إذا اتفقوا بعده ولو للحظة يكون هذا ((إجمـــاعا)) .
أم يكون ((الإجماع)) بعد وفاة آخر المجتهدين الذين نظروا في النازلة ، هذان منهجان للعلماء لتحديد العصر ..
مع ملاحظة أن الجميع يقول : (الماضي لا يعتبر ، والمستقبل لا ينتظر )
، و تسمى هذه المسألة عند الأصوليين ( انقراض عصر المجمعين هل هو شرط في الإجماع ) على قولين:
القول الأول: أنه ما بعد فترة البحث والدراسة للمسألة والقضية، فإذا ما انتهى المجتهدون من النظر في القضية فإن نظرية العصمة تطبق ههنا، وإن أجمعوا على قول فهو الحق الذي لا حق سواه، وهذا قول الجمهور.
القول الثاني: أن العصر المشترط في الإجماع هو من بعد النظر في القضية ودراستها ويمتد إلى وفاة آخر المجتهدين الذين نظروا في تلك القضية، وهذا ما يعبر عنه بـ (انقراض عصر المجتهدين).
ويرد على أصحاب هذا القول بأن فيه خرقاً للإجماع ، وبأنه يلزم منه اجتماع الأمة على باطل.
وينبه هنا على أن الجميع قالوا بعدم اعتبار قول من طرأ عليه الاجتهاد وبلغ رتبته بعد نظر أولئك في القضية.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- مسألة: هل العصر الذي يعتبر في الإجماع هو عصر الصحابة فقط ؟
اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: أن الإجماع خاص بعصر الصحابة والتابعين، لاستحالة وقوعه ومعرفته فيمن بعدهم، وهو قول الظاهرية، ورواية للإمام أحمد، وقال به بعض الشافعية.
القول الثاني: أنه حجة في كل عصر من العصور، وهو قول الجمهور.
لأن الأدلة الدالة على حجية الاجماع لم ترد مقيدة بل أطلقت الاعتبار لكل عصر ، ولأن الوقوع يدل على ذلك ، كما تقدم في مسألة حجية الاجماع .
وينتبه ههنا إلى أن الرأي الأول لا يلزم منه اللازم الباطل الذي يلزم على القول بانكار الاجماع بالكلية .
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قوله : (على حكم شرعي ):
وهذا القيد يخرج الاجماعات فيما عدا الأحكام الشرعية حيث لا تعتبر إجماعا شرعياً ، كإجماع الأطبار وغيرهم .. فلا حجية فيه شرعاً .
ومسألة مهمه تتعلق بمستند هذا الحكم المجمع عليه هل يشترط أن يكون نصاً من كتاب أو سنة أو يصح أن يكون عن اجتهاد وقياس ؟
خلاف بين العلماء والجمهور على جواز أن يكون عن اجتهاد وقياس لأن الأدلة لم تشترط ذلك ،ولأن أكثر الاجماعات هي على ظنيات من ظواهر وعمومات ، فلم لا يصح أن تكون عن اجتهاد وقياس .
ومثلوا لما استند لاجتهاد : بإجماع الصحابة على حرب المرتدين .
وعن قياس : باجماعهم على خلافة الصديق قياسا على امامته في الصلاة ،
زكاة الجواميس قياسا على البقر .
********************
والله ولي التوفيق
*********************
دروس مادة أصول 4 :
يوسف بن هلال السحيمي
(كلية الشريعة حررها بتاريخ : 4/محرم/1431 ) لهجرة الحبيب
الثلاثاء 20 يناير 2015, 3:06 pm من طرف Ɠǿȴ Ð Ɍоɠєɽ